■ الشبكة - كتب الإعلامي سيف الشهومي:
تشتهر محافظات وولايات وبلدات السلطنة بمعالم تاريخية عريقة
شاهدة على عراقتها وعمقها التراثي بعيد المدى؛ ومن بينها: "بلاد الشهوم"
في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، والتي تحتلُّ موقعاً استراتيجيًّا مهماً بين ثلاث
محافظات عُمانية؛ وهي: الداخلية والظاهرة وجنوب الباطنة، كحلقة وصل محورية بينها متوشحة
بمعالمها التاريخية المشهودة على قمم جبالها الشامخة، وعراقة
إنسانها الذي عُرف عنه الكرم والشجاعة
والتضحية والصدق والإخلاص والأمانة والنصرة والألفة والتعاون والعدل والحياء والإحسان.
الأبراج الاستطلاعية:
تبرز على قمم الجبال في بلاد الشهوم شواهد تاريخية شيدتها سواعد الآباء والأجداد من الحجارة والصاروج والطين، الأمر الذي أكسبها القوة والمتانة بطابع هندسي معماري عُماني أصيل كالقرين والقسم والغول والنجيدة والعقير والبدعة والرميلة، وهي عبارة عن أبراج استطلاعية لمراقبة الداخل والخارج من وإلى البلدة لتأمين أنفسهم من أية مخاطر على حياتهم نتيجةً لانعدام الأمن والأمان في تلك الفترة، وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل بين من هم على هذه الأبراج (الحراس) هي عدد من الطلقات النارية المتعارف عليها في الهواء كرموز سرية يتناقلون بها فيما بينهم الأخبار والأحداث والمستجدات.
الحصون التاريخية:
من يسبر التاريخ في بلاد الشهوم حتماً سيجدُ
أنها تستحق فعلاً أن تكون محط أنظار الباحثين والمهتمين بالتاريخ العُماني، فهي تتميز
بوجود حصنين عريقين يعود بناؤهما إلى القرن السابع عشر خلال فترة حكم النباهنة لعُمان،
فالأول هو حصن ريمي الذي يطل على واحات النخيل فوق هضبة تشرف على وادي ريمي ويعتليه
برجان رئيسيان هما الريح والغربي ويتكون من ثلاثة أدوار رئيسية (طوابق) اندثرت
بفعل الرياح والأمطار والطبيعة، كما يوجد به غرف ومجالس للرجال والنساء وبئر ماء
للشرب وحوض للسباحة والغسيل، وسجن لمن يخل بالشرف والأمانة وهو ما يؤكد حقيقة عدل
الشهوم وانصافهم الناس وضمان حقوقهم.
أما الحصن الثاني فهو بلاد الشهوم أو كما يعرف
حالياً بالصباح أو الحجرة ويقع وسط البلدة بالنفس كحصن دفاعي ومقر رئيسي لإدارة
شؤون الناس وساحة لتحقيق العدل بينهم، ويوجد فيه غرف تحصينيه ومجالس للرجال
والنساء ومخازن للتمور والقمح وغرفة كبيرة لطهي الطعام عرفت آنذاك باسم (المهرسة)
وبه أيضاً بئر ماء للشرب وغير ذلك، ويتميز ببابه الكبير (باب الصباح) وهو المدخل
الرئيسي إليه وباب آخر خصص لدخول النساء وخروجهن من الحصن، سمي بباب المال ويقع في
الجهة الشمالية الغربية من الحصن، وهو ما يؤكد رسوخ العادات والتقاليد لدى الأهالي
في بلاد الشهوم والتي تقضي بعدم السماح لنسائهم من مخالطة الرجال، ويعتلي الحصن ثلاثة
أبراج رئيسية هي: (الصباح، والمال، ومصلى العيد) ويضم في زواياه منصات استطلاعية لتشديد
الحراسة الأمنية، ورغم قسوة الزمن والطبيعة معاً إلا أن بعض آثاره لا زالت باقية وشاهدة
عليه حتى يومنا الحاضر والجزء الأكبر منه طمست معالمه تماماً نتيجة للتوسع
العمراني.
الصناعات الحرفية التقليدية:
يمتهن الأهالي في بلاد الشهوم الكثير من
الصناعات الحرفية التقليدية كصناعة الفخاريات بمختلف أنواعهن وأحجامهن وأشكالهن، من
الصاروج والطين والصلصال، وأبدعوا أيضاً في صناعة السعفيات وتمثل النخلة في هذه
الصناعة ركيزة أساسية فمن خوصها يصنعون القفران والملهبة اليدوية والخصف والشت
والمخرف وسمة الخباط لوضع الطعام عليها أو جني الثمار ومن زورها يصنعون الدعون كمناضد
للتمور ومن جذوعها يبنون العرشان والمظلات وغيرها.
الآبار والأفلاج وهندسة الري:
لقد برع الأهالي في بلاد الشهوم بهندستهم في شق
القنوات المائية (الأفلاج) وسط التضاريس الجبلية الصعبة وبين السهول والأودية والمنحدرات
لإيصال المياه إلى مزروعاتهم، وتمكنوا من حفر الآبار المائية (الطويان) واستخدموا
الحيوان في استخراج مياهها عبر آلة المنجور الخشبية، وشقوا نوعاً آخر من القنوات
المائية عرفت محلياً باسم (السمام أو سمام الفلج) مستخدمين الكزمة والهيب والمطرقة
والمسمار في شقها لتحويل مياه الأفلاج إلى مسارات أخرى لري المزروعات ويوجد منها في
بلاد الشهوم حوالي 7 أسمة، ونجحوا في إيصال المياه بين ضفاف الأودية عبر قنوات
مائية أخرى عرفت باسم (الغراق والفلاح) ولا يزال البعض منها شاهد على ذلك.
الزراعة:
تتميز الأرض في بلاد الشهوم بخصوبتها وثروة محاصيلها الزراعية على مدار العام، كالتمور والخضروات والفواكه بشتى أنواعها وغيرها من الفواكه الموسمية.
الألعاب والفنون الشعبية:
لا يزال الأهالي في بلاد الشهوم يحتفظون ويؤدون
العديد من الفنون الشعبية العُمانية كالعازي والميدان والرزحة والتغرود والشيلة
الجماعية الحماسية، كما أنهم يمارسون مجموعة من الألعاب الشعبية العُمانية
كالأترج وهي عبارة عن سابق باستخدام قدم واحدة فقط في مضمار سابق واسع له خط بداية
ونهاية، ولعبة ما على اليد وهي عبارة رمي حصيات مسطحة بالكف وتركها تسق على ظهر
اليد، ولعبة الصياد وهي عبارة عن مستطيل يرسم على الأرض لا يتجاوز طوله عن 12 مترا
ويقف بداخله مجموعة من الأشخاص (الفريق الأول) وأشخاص آخرون خارج المستطيل من
جهتين فقط (الفريق الثاني) ويقوم الفريق الأخير برمي لاعبي الفريق الأول بالكره
لاصطيادهم جميعاً عن طريق لمس الكرة لأجسادهم ويكون الفريق الثاني فائزاً والعكس
تماماً، وغيرها من الألعاب الشعبية الجميلة كالحواليس والغميضة (القبيه).
السياحة في بلاد الشهوم:
حبا الله سبحانه وتعالى بلاد الشهوم بالعديد من
المقومات السياحية الفريدة التي جعلت منها قبلة ومقصداً للسياح من داخل الولاية
وخارجها، وتتنوع هذه المقومات بين العيون المائية العذبة كالقطار والسخنة والغيول
المائية الرقراقة المنسابة على طول أوديتها البكر والسدود المائية كسد بلاد الشهوم
وسد الخور ناهيك عن ما تشكله واحات النخيل والأشجار الوارفة الظلال على طول ظفاف أوديتها
من صورة جمالية رائعة، بالإضافة إلى تضاريسها وسلاسلها الجبلية ذات الألوان
المتباينة واعتدال درجات الحرارة فيها، ومدرجاتها الزراعية الخضراء، ونسيم هوائها
العليل، ومعالمها التاريخية على قمم جبالها الصماء وحصونها العريقة.
التنمية في بلاد الشهوم:
نعمت بلاد الشهوم منذ فجر النهضة المباركة على يد السلطان
المؤسِّس قابوس بن سعيد بن تيمور ـ رحمه الله ـ بمنجزات تنموية شملت الغذاء والصحة
والتعليم والكهرباء وشبكات المياه والاتصالات وباقي الخدمات الأساسية الضرورية؛ ما
عزَّز المستوى المعيشي للمواطن.
وعن التنمية قال الشيخ ذياب بن مسعود الشهومي: لقد نالت بلاد الشهوم في العهد الزاهر الميمون لأعز الرجال وأنقاهم الكثير من المشاريع التنموية التي غيرت ملامح وجهها الشاحب فدفع فيها بعجلة التعليم بدءاً من الكتاتيب وحلقات تعليم القرآن الكريم ثم نصب الخيام التعليمية إلى إنشاء أول مدرسة حكومية فيها عام 1986 حملت اسم الصحابي الجليل زيد بن الخطاب رضي الله عنه، تلاها إنشاء مدرسة أخرى للبنات عام 2008 حملت اسم بلاد الشهوم، لتتوالى انجازات السلطان الراحل – رحمه الله – كإدخال شبكات المياه والكهرباء والاتصال وإنشاء مركز بلاد الشهوم الصحي ورصف طريق (بلاد الشهوم – مقنيات) وبعض الطرق الداخلية بالبلدة، ويجري العمل حالياً على استكمال مشروع طريق (بلاد الشهوم ـ الهجر) لمسافة تقدر بحوالي 24 كيلو متراً والذي يعتبر طريقاً حيوياً مهماً ويختصر المسافة بين قرى وادي العين، والهجر وبلاد الشهوم ويربط البلدة بمحافظة الداخلية ويفتح آفاقا سياحية بمروره عبر السلاسل الجبلية والأودية التي تنتشر على ضفافها أشجار النخيل والسدر والأشجار الوارفة الظلال.
أما عن العهد السعيد لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه – فقال الشيخ الذيب بن سعود الشهومي: نحن على العهد والوعد والوفاء لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه - باقون وماضون خلفه على طريق البذل والعطاء والعمل والجد والاجتهاد لتعظيم الإنجازات والحفاظ على المكتسبات لتنعم الأجيال اللاحقة بالثمار اليانعة للعهد السعيد، ويتطلع الشيخ الذيب بن سعود الشهومي في عهد جلالته المبارك - أعزه الله ـ إلى تحسين جودة شبكات الاتصال وخدمات الإنترنت في كافة قرى بلاد الشهوم، ورصف وإنارة طريق ( بلاد الشهوم – الرستاق) عبر طريق صداق حيث أن هذا الطريق يربط بلاد الشهوم بولاية الرستاق في محافظة جنوب الباطنة ويفتح حركة التنقل بين سكان المحافظات الثلاث الداخلية والظاهرة وجنوب الباطنة، كما يتطلع أيضاً إلى إنارة طريق ( بلاد الشهوم – الهجر ) وطريق ( بلاد الشهوم ـ مقنيات) كونها طرق رئيسية مهمة لا تقل أهميتهما عن باقي الطرق الأخرى التي تربط الولاية بغيرها من الولايات الأخرى، ويدعو الشيخ إلى ضرورة الإسراع في انقاذ وترميم المعالم التاريخية في بلاد الشهوم من حصون وأبراج استطلاعية وإنارتها فهي إرث لا يتجزأ من إرث عمان الضارب في عمق التاريخ مثمناً دور الحكومة الرشيدة في انجاح خطط التنمية الشاملة لبناء حياة أفضل للمواطن العماني.
ويستذكر سعيد بن راشد الشهومي حجم الإنجازات العظيمة للسلطان الراحل قابوس
بن سعيد بن تيمور ـ رحمه الله ـ ومآثره الخالدة على مدى خمسين عاماً مضت التي أرسى
خلالها نهضة شامخة شملت عُمان من أقصاها إلى أقصاها، متطلعاً في العهد السعيد إلى استكمال
رصف الطرق الداخلية بالبلدة وإنارتها وبناء الجسور اللازمة للطرق المؤدية إليها
خاصة (طريق بلاد الشهوم ـ مقنيات) وتعزيز الحماية على جانبي الطريق درئاً لمخاطر
الأودية وسلامة المواطنين، مؤكدً المضي بكل عزم وثبات خلف من توسم فيه فقيد الأمة
العُمانية ـ رحمه الله ـ القيادة والحكمة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ
حفظه الله ورعاه ـ في ظل مجده الهيثمي، الذي رسخ جلالته ـ أبقاه الله ـ أركانه،
ورسم طريقه وأهدافه على وتر عُمان 2040.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق